google.com, pub-3637900938011359, DIRECT, f08c47fec0942fa0
"قائمة علوية"]); ?>

طنجة… عاصمة “قرقوبي الفقراء”

قناة طنجة الكبرى | الصباح – المختار الرمشي 

تحولت طنجة، في الآونة الأخيرة، إلى مركز إستراتيجي بديل للأسواق الشرقية، يقصده مروجو الأقراص الطبية المهلوسة من كل مدن وجهات المملكة من أجل الاتجار والتسوق من هذه السموم القاتلة، التي أضحت تمثل واحدة من أخطر المشكلات الاجتماعية وتساهم بشكل كبير في ارتفاع معدلات الجريمة من قتل وسرقة وعنف… خاصة بين فئة المراهقين والشباب.

كشفت الإحصائيات الأخيرة، التي أعلنت عنها المصالح الأمنية بعاصمة البوغاز، أن المدينة أصبحت، خلال السنوات الأخيرة، نقطة عبور مفتوحة لتهريب آلاف من حبوب الهلوسة نحو التراب المغربي، خاصة مادتي “الإكستازي” و”الإكيستا”، المعروفتين في الأوساط الاجتماعية بـ “قرقوبي الفقراء”، وهي من الحبوب المخدرة الجديدة التي أضحت تنافس الأقراص القادمة من الجارة الجزائر (البولة الحمرا أو صمطة)، إذ أصبح الطلب عليها يتزايد بشكل كبير من قبل الشباب الباحثين عن “السعادة”، نظرا لأنها متوفرة في الأسواق وتباع بأثمنة مناسبة.

وحسب معطيات أمنية رسمية، فإن الكميات المحجوزة من هذه السموم، ارتفعت بشكل ملفت خلال الشهور الأخيرة، وبلغت فقط في الأشهر الأربعة الأولى من السنة الجارية (2018) ما مجموعه 276 ألفا و400 قرص مهلوس من أنواع مختلفة في مقدمتها “الأكستازي”، منها 77 ألف قرص تم حجزها بوسط المدينة، وذلك بزيادة تفوق 60 في المائة، مقارنة مع الفترة نفسها من السنة الماضية (2017).

ورافق هذا الارتفاع في عدد المحجوزات، ارتفاع اعتقال مروجي هذا النوع من المخدرات، إذ وصل عدد المهربين والمروجين الذين تم القبض عليهم منذ بداية السنة الجارية إلى حدود منتصف أبريل الماضي، أزيد من 50 شخصا يتحدرون من مدن مغربية مختلفة، من بينهم نساء، وأغلبهم اعتقلوا بالمحطة الطرقية ومحيطها، وهم متلبسون بحيازة كميات متفاوتة من أقراص الهلوسة.

ومن بين المروجين الذين تم القبض عليهم داخل المحطة الطرقية بالمدينة، فتاة قاصر لا يتعدى عمرها 17 سنة، تنتمي لشبكة إجرامية متخصصة في المخدرات القوية والأقراص المهلوسة، ضبطتها المصالح الأمنية وهي تتأهب للسفر نحو فاس وبحوزتها أزيد من 1030 حبة من مخدر “الاكستازي”، وتم وضعها، بأمر من وكيل الملك لدى ابتدائية المدينة، بالمركز الاجتماعي للطفولة إلى حين عرض ملفها على القضاء الجالس بالغرفة الجنحية التلبسية بالمحكمة ذاتها.

آلاف الأقراص بالميناء المتوسطي

تعمل مصالح الجمارك بميناء طنجة المتوسط، جاهدة ليل نهار لإحباط كل المخططات الرامية إلى تسريب كميات هائلة من هذه السموم إلى داخل الأراضي المغربية، وتمكنت، في عملية نوعية أنجزتها بداية شهر أبريل الماضي بتنسيق مع الفرق الأمنية العاملة بنفس الميناء، من حجز أزيد من 241 ألف قرص طبي مخدر من النوع القوي “الأكستازى”، وضبطتها مخبأة بعناية فائقة في التجاويف والكراسي والعجلة الاحتياطية لسيارة رباعية الدفع مرقمة بالمغرب، كان على متنها مواطنان مغربيان (رجل وامرأة)، يبلغان من العمر على التوالي 40 و30 سنة.

ونظرا لخطورة وحجم هذه المحجوزات، التي كانت في طريقها إلى “الأسواق” المغربية، قرر وكيل الملك لدى ابتدائية طنجة، اعتقال السائق ومرافقته وإحالتهما على المصلحة الولاية للشرطة القضائية بطنجة، وأمر بإخضاعهما لتحقيق قضائي معمق من أجل تحديد ظروف وملابسات محاولتهما تهريب هذه الشحنة النوعية، والكشف عن كافة ارتباطاتهما المحتملة بشبكات إجرامية تنشط داخل المغرب وعلى الصعيد الدولي، مع جمع كل ما يمكن أن يفيد المحققين في بحثهم حول طبيعة استعمال هذه السموم في المغرب.

صنع في غرب أوربا

كشفت التحقيقات التي أجرتها عناصر الأمن مع أغلب الموقوفين الذين ضبطوا بالميناء المتوسطي متلبسين بحيازة آلاف من الأقراص الطبية المهلوسة “الإكستازي”، أن مصدرها الرئيسي دولة هولندا، وتصنع في مختبرات سرية في دول غرب أوربا، ويتم تهريبها إلى المغرب عبر المنافذ الشمالية للمملكة، حيث يجني من ورائها المهربون أموالا طائلة.

وذكر مصدر أمني مسؤول، أن مخدر “الأكستازى”، الذي تطلق عليه لوبيات الدمار “حبوب النشوة” أو “حبوب السعادة”، هو منشط معروف باسم “الميثلين ديوكسى ميتامفيتامين” ويتم تعاطيه على شكل مسحوق أو حبوب مختلفة الألوان والأشكال مرسوم عليها عبارات مختلفة، أو يستعمل عن طريق الحقن كسائل، مبرزا (المصدر) أنه منتوج يختلف عن الأقراص التقليدية القادمة عبر الحدود المغربية الجزائرية، ويباع في طنجة بأثمان تتراوح بين 20 و30 درهما للحبة الواحدة، بينما لا يقل سعرها عن 50 درهما في مدن الأخرى.

المحطة الطرقية مركز للتواصل

تحولت المحطة الطرقية لطنجة، في الآونة الأخيرة، إلى نقطة للتواصل والاستلام، وأصبح يتوافد عليها بشكل شبه يومي عشرات التجار والمهربين الذين يحلون بالمدينة من مناطق وجهات مختلفة للتزود بهذه البضاعة المربحة، إذ بالرغم من كل المجهودات التي تبذلها العناصر الأمنية العاملة بهذا المرفق العمومي، وكذا الحملات المكثفة التي تقوم بها الفرق المختصة وتسفر عن اعتقال أعداد كبيرة من المروجين وهم متلبسون بحيازة آلاف من الحبوب السامة، (رغم ذلك) لم تنجح المصالح الأمنية في القضاء على هذه التجارة واجتثاث جذورها، نتيجة تشعبها وعدم اقتصارها على أحياء ومناطق معينة.

مخاطر  وإقبال

حذر أطباء نفسيون وعدد من الصيادلة بطنجة، من خطورة الانتشار الرهيب والمذهل لأقراص “الإكستازي” بين أوساط الشباب، سيما المتمدرسين منهم، ودقوا بقوة ناقوس الخطر حول الأضرار الصحية والآثار الخطيرة التي يتسبب فيها التعاطي لهذه السموم، سواء على الجهاز العصبي المركزي أو على الصحة العامة، مبرزين أن التركيبة الكيماوية لهذا المنتوج تجعله من أخطر أنواع المخدرات في العالم، ويتسبب لمتعاطيه في “نشاط هستيري” يشجع على القيام “بأفعال خطيرة دون تقدير للعواقب”.

وأجمعت المصادر نفسها، أن تزايد وتيرة العنف في الحياة اليومية، وما صاحبها من بروز ظواهر لم تكن موجودة من قبل، مثل ظاهرة “التشرميل”، والاعتداء على الأصول والفروع، واغتصاب الأطفال وغيرها من الجرائم الخطيرة… لها ارتباط وثيق باستهلاك وتعاطي الشباب لهذا النوع من المخدرات القوية، التي صارت، في الآونة الأخيرة، تستنفر الأجهزة الأمنية وتهدد استقرار عدد من الأسر والمجتمع بصفة عامة.

من جهة أخرى، أكد مسؤول أمني بالمدينة، أن جل الجرائم الموسومة بالعنف أو المقرونة بالاعتداء الجسدي الخطير، تكون أغلبها مرتبطة باستهلاك الأقراص المهلوسة، لأنها تدفع المدمن أو المتعاطي لها إلى اقتراف أفعال إجرامية خطيرة غير مألوفة في المجتمع المغربي، مثل جريمة قتل بائع المجوهرات بمنطقة بني مكادة، والاعتداء على الأصول، كجريمة الشاب الذي عمد أخيرا إلى قتل والده طعنا بالسكين داخل متجره بقيسارية “عين القطيوط” وسط المدينة، بالإضافة إلى السرقات بالعنف والاعتداءات الجنسية الخطيرة، مما يؤكد، بحسب المصدر، على وجود مؤشرات تقاطع قوية بين اقتراف تلك الجرائم والتعاطي لهذا الصنف من المخدرات، التي وصفها بـ “إرهاب حقيقي يهدد السلم المجتمعي”.

وأضاف المصدر، أن الخطير في هذه الآفة، انتشارها داخل المؤسسات التعليمية وفي محيطها، وهو ما ساهم بشكل مباشر في إذكاء الجنوح والانحراف لدى الشباب والمراهقين، وتسبب في الانقطاع عن الدراسة، وبروز أمراض نفسية وعقلية خطيرة في صفوف هذه الفئة المجتمعية الحساسة، مشيرا، في الوقت نفسه، إلى خطورة تداولها سرا بالمؤسسات السجنية، وداخل الفضاءات الرياضية.

أضف تعليق