نظم المكتب الجهوي لنادي قضاة بالمغرب، مساء أمس السبت، ببيت الصحافة بطنجة، ندوة علمية حول موضوع “واجب التحفظ بين الإطار القانوني والواقع العملي”.
وقد اعتبر عبد اللطيف الشنتوف، رئيس نادي قضاة المغرب، في مداخلته أن شرط التحفظ مقبول في حدّ ذاته، لكنه طالب بتعريف محدد لهذا الشرط، يضع حدودا لتعميم المفهوم خارج وداخل المحكمة، أو تقليصه إلى حدود بقاء واجب التحفظ هذا في إطار مناسبة أداء القاضي لمهامّه.
وأضاف الشنتوف أن عدم وضع تعريف واضح لمفهوم “واجب التحفظ” يترك الباب مفتوحا أمام تفسير كلّ جهة لهُ بما يلائمها، وهو ما حدث فعلاً عندما حاولت المؤسسات الرسمية متابعة مجموعة قضاةٍ أصبح يطلق عليهم اسم “قضاة الرأي”، والذين تتمّ متابعتهم حاليا لأنهم “عبّروا عن رأيهم في موضوع معين بطريقة معينة، تحت عنوان واجب التحفظ، حيث تمّ تطبيق الدستور بشكل فوري في هذا الجانب فقط”.
المتحدّث استشهد بحالة الأستاذ رشيد العبدلاوي بمحكمة طنجة الابتدائية، والذي نشر صورة له وهو يطلع على الملفات في بهو المحكمة، حيث تمت إدانته بعقوبة تأديبية، إضافة إلى الدكتور محمد الهيني الذي ناقش القوانين التنظيمية المتعلقة بالسلطة القضائية، والذي توبع أيضا بـ”خرق واجب التحفظ”.
وبالنسبة للجمعيات المهنية، فقد أضاف الشنتوف أن “واجب التحفظ” أصبح يلزمها أيضا، تضافٌ إليها المؤسسات الرسمية؛ وعلى رأسها المجلس الأعلى للقضاء، مطالبا بفتح نقاش موسع من طرف الجهات الرسمية، باعتباره أفضل حلّ حاليا لمقاربة موضوع “واجب التحفظ”.
من جانبها، أصّلت رشيدة أحفوض، رئيسة الجمعية المغربية للقضاة، لمصطلح “التحفظ” لغويا، والذي هو الاحتراز والاحتياط، متسائلة متى تنتهي حرية التعبير كي يبدأ واجب التحفظ، وهل للقضاة حق التعبير في كل ما يتعلق بالمجتمع. واعتبرت المتحدثة أن المواثيق الدولية ومبادئ الأمم المتحدة تنص على أنه للقضاة حق التعبير وإنشاء الجمعيات، مستفسرة إن كانت تدوينات موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” تدخل في إطار الفصل 11، أم ترتفع إلى كونها مخالفات تأديبية تدخل في إطار “الإخلال بواجب التحفظ”.
أحفوض استغربت كيف أنه من حق الموظف الخاضع لمخالفة تأديبية الطعن لدى القضاء الإداري، بينما ليس من حق القاضي الطعن في العقوبة التأديبية، معتبرة أن هذه العقوبات لا ينبغي أن تكون إلا بضمانات؛ على رأسها ضرورة احترام الفصول 25 و111 و08 و09، والقاضية بضمان حق التعبير وحماية المعطيات والمعلومات الشخصية.
وفي السياق ذاته، أفادت عائشة الناصري، رئيسة الجمعية المغربية للنساء القاضيات، أن موضوع “واجب التحفظ” هو موضوع استباقي بكل المقاييس، مشيرة إلى أن قيد التحفظ موجود أيضا في عدد من الصكوك الدولية، وأن الحريات مكفولة للجميع، لكنها أقرت أن للقضاء خصوصياته تم من خلالها استقاء قوانين خاصة لتقييد حرية القاضي، لأنه يوجد فوق جميع السلط، وحتى يستطيع أن يحقق المحاكمة، خاصة أن هذا القيد نابع من ثقل وطبيعة المهمة، لأن القضاة مسؤولون عن حقوق الأشخاص والجماعات.
وفي مداخلته، قال مصطفى الضيافي، الكاتب العام للجنة الشباب بالودادية الحسنية للقضاة، إن الأصل هو حرية التعبير والاستثناء هو القواعد الأخلاقية، والتي لا يجب التوسع فيها، معتبرا أن التحفظ لا يعني الصمت، بل للقضاة الحق في التعبير وفق الأخلاقيات القضائية، في إطار السلوكيات الخصوصية للقاضي الذي لا يجب أن يقوم بما يخل باحترام السلطة، وعليه فإن الخروج من واجب التحفظ يبدأ بمجرد إخلال القاضي بالالتزامات المهنية والأخلاقية، يضيف المتحدث.
الضيافي رأى أنه يحق للقاضي، كأي مواطن، حرية التعبير والعقيدة والتجمع، “لكنه يتعين عليه أن يتصرف بشكل يحافظ فيه على هيبة المنصب وحياد السلطة القضائية، وهو ما أقرته كذلك مبادئ الأمم المتحدة بميلانو، والتي مفادها أنه يحق لأعضاء السلطة، كغيرهم، التمتع بحرية التعبير والاعتقاد، ومع ذلك يشترط أن يسلكوا مسلكا يحفظ هيبة منصبهم”.