تستعد كتابة الدولة المكلفة بالصيد البحري لتفعيل سلسلة من الإجراءات الإدارية والميدانية لمواجهة الأزمة الحادة التي تمر بها مصايد الأسماك السطحية الصغيرة، وفي مقدمتها السردين، وذلك بعد تأكد عدم تعافي هذه المصايد، مما ينذر باستمرار الوضع المتأزم.
ففي اجتماع للجنة تتبع مصيدة الأسماك السطحية الصغيرة، عقد مؤخراً بمقر كتابة الدولة، وبحضور ممثلين عن الإدارة والمعهد الوطني للبحث في الصيد البحري وممثلي الهيئات المهنية، تم عرض الوضعية المقلقة لهذه المصايد، وتسليط الضوء على الأزمة غير المسبوقة التي يشهدها قطاع صيد السردين منذ سنوات.
ومن أبرز التدابير التي تم اقتراحها، تفويض تحديد فترات الراحة البيولوجية إلى المندوبيات الجهوية بناءً على تطور المصيدة في كل منطقة، وإنشاء خلايا يقظة على مستوى الموانئ لضمان التدخل السريع عند الحاجة. كما قررت السلطات منع تنقل مراكب صيد السردين بين الموانئ لتفادي الضغط المفرط على مناطق بعينها، إلى جانب دراسة إمكانية إطالة فترة الراحة البيولوجية التي كانت تقتصر سابقاً على شهر واحد فقط، مع إغلاق المصايد التي يتم رصد الأسماك فيها خلال فترات التوالد.
إجراءات أخرى تتضمن رفع المسافة المسموح بالصيد ضمنها من ميل واحد إلى ميلين اثنين في المنطقة الواقعة بين أكادير وطانطان، وهي خطوة تهدف إلى تقليل الضغط على المصايد خلال فترات حساسة، حيث تعرف هذه السواحل نشاطاً ملحوظاً لتكاثر الأسماك السطحية الصغيرة.
ورغم أهمية هذه الإجراءات، إلا أن تفعيلها قد يواجه مقاومة من بعض المهنيين في القطاع، ممن يعتبرون هذه الخطوات تقييداً لنشاطهم التجاري ومصدراً لتراجع المداخيل، إضافة إلى تخوفهم من تأثيرها المحتمل على فرص الشغل داخل المراكب ومصانع تعليب السمك. وغالباً ما تمارس هذه الأطراف ضغوطاً قوية على الإدارة للتراجع عن هذه التدابير.
غير أن مصادر مهنية شددت على ضرورة التحلي بالشجاعة السياسية والمؤسساتية لتنزيل هذه الإجراءات حفاظاً على الثروات البحرية الوطنية، داعية إلى عدم الرضوخ لمصالح فئوية قد تعرقل مسار الإصلاح.
وفي سياق جهود الحماية، أطلقت كتابة الدولة المكلفة بالصيد البحري مؤخراً دراسة حول الشباك المستعملة في صيد الأسماك السطحية، خصوصاً السردين، بتنسيق مع المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري. وتشمل هذه الدراسة زيارة مختلف الموانئ ولقاءات مع ربابنة السفن وخياطي الشباك، بهدف جمع معطيات دقيقة حول نوع الشباك وأبعادها وعمقها، بما يساهم في ضبط نشاط الصيد وتطوير أدواته بما يراعي استدامة المخزون السمكي.
وقد عرف أسطول الصيد الساحلي المخصص للسردين نمواً لافتاً خلال العقد الأخير، حيث بلغ عدد وحداته 1862 وحدة بحمولة إجمالية تفوق 103 آلاف طن، ما ساهم في ضغط متزايد على المصايد. هذا الوضع، مقروناً بتأخر تفعيل مخطط لتهيئة المصايد، أدى إلى استنزاف المخزون وتراجع الإنتاج بشكل مقلق، حيث سجلت الإحصاءات ما بين 2018 و2023 انخفاضاً بنسبة 25% في الكتلة الحيوية للأسماك السطحية، و41% في مخزون السردين تحديداً. وتبرز هذه المعطيات الحاجة الملحة إلى قرارات حاسمة لحماية الثروة السمكية الوطنية، وضمان ديمومتها للأجيال القادمة.