إهمال في التدبير وصمت الأغلبية يحولان المرفق إلى نقطة سوداء تسيء لصورة المدينة
في مدينة سياحية بحجم طنجة، كان يفترض أن تشكل المواقف تحت أرضية بكورنيش المدينة واجهة حضرية عصرية تساهم في تنظيم حركة السير واستقبال الزوار في ظروف مريحة وآمنة. غير أن هذه المرافق، التي أوكل تدبيرها لشركة “صوماجيك باركينغ”، تحولت في السنوات الأخيرة إلى “نقطة سوداء”، بعدما فقدت دورها الأساسي كمرفق عمومي، وتحولت إلى مصدر إزعاج وتشويه لصورة واحدة من أبرز الواجهات السياحية بالمغرب.
وتحولت هذه المواقف، التي كان من المفترض أن توفر الأمن والراحة لمستعمليها، إلى أوكار مشبوهة يتجمع داخلها متشردون ولصوص ومتسولون، إضافة إلى انتشار تجار المخدرات وبائعي المشروبات الكحولية، في غياب حراس دائمين وضعف آليات المراقبة الأمنية، لتتحول هذه الفضاءات إلى مسرح لأعمال غير قانونية تشكل تهديدا مباشرا لسلامة مستعمليها، إذ لا يمر أسبوعا دون أن تسمع عن سرقات تطال المواطنين والزوار، ومضايقات يتعرض لها نساء وسياح، ما جعل الكثيرين يفضلون الابتعاد عنها تماما.
كما عرفت هذه المواقف تحت أرضية في السنوات الأخيرة إهمالا واضحا من قبل الشركة المفوض لها التدبير، ما انعكس في تراكم الأوساخ والروائح الكريهة الناتجة عن التبول العشوائي، التي تتسرب أحيانا إلى الشوارع المجاورة وتنعكس سلبا على المؤسسات السياحية والمحلات التجارية المجاورة، ما جعل الكثير من مستعمليها يصفونها بأنها “مسيئة لصورة المدينة”، بعدما تحولت من فضاءات جاذبة في قلب الواجهة السياحية لطنجة إلى فضاءات “مشمئزة”، محملين شركة “صوماجيك باركينغ” المسؤولية المباشرة عن هذا الوضع، بحكم أنها لم تلتزم بما ينص عليه دفتر التحملات من معايير النظافة والصيانة الدورية.
وعبر عدد من المواطنين، عن غضبهم واستيائهم من تحول هذه المواقف العمومية المفتوحة للجميع، إلى شبه خاصة بالملاهي الليلية والكباريهات المجاورة، وأصبح من شبه المستحيل إيجاد أماكن للركن داخلها إذا لم تدفع مقابلا إضافيا لحراس و”فيدورات” هذه المحلات، الذين يقومون بحجز مساحات واسعة لفائدة زبنائهم بشكل حصري، عبر وضع سلاسل حديدية أو حواجز بلاستيكية لمنع المواطنين من الركن، وهي ممارسات اعتبرها سكان المدينة وزوارها خرقا صارخا لوظيفة المرفق العمومي وضربا لمبدأ تكافؤ الفرص.
وأمام هذا الوضع المقلق، الذي يؤكد أن المواقف تحت أرضية بكورنيش طنجة فقدت جوهرها كمرفق عمومي مخصص لخدمة المواطنين والزوار، وتحولت إلى بؤرة للفوضى ومصدر تشويه لصورة المدينة، تعالت أصوات فعاليات محلية وممثلين عن المجتمع المدني مطالبة بفتح تحقيق جدي في طريقة تدبير هذه المرافق، التي أفرغت من وظيفتها الأصلية وتحولت إلى مصدر للفوضى والريع، مبرزين أن المسؤولية تقع أولا على عاتق السلطات المحلية والمجلس الجماعي في إلزام شركة “صوماجيك باركينغ” بالتقيد الصارم ببنود دفتر التحملات، وضمان تدبير يليق بمكانة طنجة كوجهة سياحية كبرى.
وفي هذا السياق، اعتبر أحد مستشاري المعارضة بالمجلس الجماعي أن ما آلت إليه هذه المرافق يعكس تقصيرا واضحا في ممارسة المجلس لاختصاصاته الرقابية، مؤكدا أن الجماعة ليست مجرد طرف ثانوي، بل هي الجهة التي فوضت التدبير وتتحمل بالتالي مسؤولية إلزام الشركة باحترام دفتر التحملات.
وقال المصدر، الذي فضل عدم الكشف عن هويته إن “المجلس لا يمكنه الاكتفاء بدور المتفرج في وقت تشوه فيه صورة طنجة أمام زوارها، بل عليه تفعيل سلطاته القانونية في المراقبة وتوقيع الجزاءات المنصوص عليها، وربط أي تجديد للعقود بتصحيح الاختلالات، حتى لا تتهم الأغلبية المسيرة بوجود تواطؤ أو تساهل غير مبرر”.
من جهته، نفى مصدر أمني مسؤول أن تكون المصالح الأمنية طرفا مباشرا في ما يحدث داخل هذه المواقف، موضحا أن دور الشرطة ينحصر في التدخل عند وقوع جرائم أو حوادث، فيما تظل مسؤولية التدبير والحراسة اليومية على عاتق الشركة المفوض لها، مشددا على أن الأمن يتجاوب مع أي إشعار أو تبليغ، لكن استمرار الفوضى يعود بالأساس إلى غياب التسيير المسؤول من طرف الجهة المدبرة للمرفق.
ويبقى الوضع القائم في المواقف تحت أرضية بكورنيش طنجة، على هذا النحو، جرحا مفتوحا في وجه المدينة ومصدرا دائما للتذمر الشعبي، ما يستدعي إرادة سياسية ورقابية قوية لإعادة الاعتبار لهذه الفضاءات، وضمان أن تقوم بدورها الحقيقي كخدمة عمومية تعكس مكانة طنجة السياحية، بدل أن تبقى وصمة عار في قلب واجهتها البحرية.