تشهد الوجهة السياحية المغربية إقبالا متزايدا من قبل السياح الصينيين، مع اقتراب صيف 2025، حيث باتت المملكة تمثل خيارا مفضلا في خريطة السفر الآسيوية، خاصة مع إعادة تشغيل الخط الجوي المباشر بين الدار البيضاء وبكين، الذي منح دفعة جديدة لحركة التنقل ورفع من منسوب الحجوزات بشكل لافت. هذا الزخم تزامن مع اقتراب “عيد قوارب التنين”، أحد أبرز الاحتفالات في التقويم الصيني، ما انعكس بشكل واضح على مبيعات التذاكر والجولات السياحية، التي سجلت نموا استثنائيا تجاوز نسبة 270 في المئة مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية.
الطلب الصيني لا يقتصر على السفر فقط، بل يشمل أيضا تزايدا كبيرا في الطلب على الجولات السياحية الخاصة، وخاصة تلك التي توفر سائقين ومرشدين ناطقين بالصينية، وهو ما يعكس ميلا واضحا نحو تجربة سفر مريحة وخاصة، بعيدة عن الأنماط التقليدية. ويظهر أن السائح الصيني أصبح يبحث عن وجهات تجمع بين الراحة، التميز الثقافي، والتجربة الأصيلة، وهي مقومات بات المغرب يقدمها بوفرة، سواء في مدن مثل مراكش وفاس، أو عبر التجارب الصحراوية في مرزوكة وسواحل الصويرة وشلالات أوزود.
هذا التحول لم يأت من فراغ، بل كان ثمرة لشراكة استراتيجية بين المكتب الوطني المغربي للسياحة ومنصة Fliggy الصينية التابعة لمجموعة علي بابا، حيث تم توقيع اتفاق يمتد لثلاث سنوات بهدف تعزيز حضور المغرب في السوق الصينية وتطوير عروض سياحية ملائمة لهذا السوق الكبير. وتتضمن الاتفاقية إطلاق حملات رقمية وفعاليات ترويجية بكل من المغرب والصين، إلى جانب تحسين تجربة الزبون الصيني داخل المغرب، عبر مسارات مخصصة وخدمات متكيفة مع انتظاراته.
الاهتمام المتزايد من طرف السائح الصيني لا يعكس فقط نجاحا في التسويق الرقمي، بل هو دليل على نجاعة الرؤية السياحية الجديدة التي تراهن على تنويع الأسواق وتوسيع نطاق الجذب خارج الأسواق الأوروبية التقليدية. وفي هذا السياق، تشير أرقام وزارة السياحة إلى أن عدد السياح الصينيين لم يكن يتجاوز 20 ألفا قبل قرار إلغاء التأشيرة سنة 2016، قبل أن يتضاعف تدريجيا ليصل إلى 140 ألفا سنة 2019، مع توقعات بتجاوز حاجز 200 ألف زائر صيني مع نهاية سنة 2025 إذا ما استمر زخم الترويج والدعم اللوجستي.
الخبير السياحي عبد الرحيم بنعيسى يؤكد أن هذا النمو يمثل فرصة استراتيجية ينبغي استثمارها بذكاء، خاصة وأن السائح الصيني معروف بقدرته الشرائية العالية، حيث يقدّر معدل إنفاقه بما بين 900 و1200 دولار للرحلة، وهو رقم يفوق بكثير معدل إنفاق السياح الأوروبيين، كما أن 70 في المئة منهم يفضلون جولات مخصصة مع مرشدين ناطقين بالصينية وإقامات راقية، مما يستدعي توفير بنية استقبال ملائمة وكوادر بشرية مؤهلة.
غير أن هذا النجاح يبقى مشروطا بتعزيز الربط الجوي، خاصة نحو بكين وشنغهاي، وتوفير خدمات سياحية متكاملة تستجيب للمعايير الثقافية والتواصلية الخاصة بهذه الشريحة من الزوار، دون إغفال أهمية الاستثمار المستمر في التسويق الرقمي والتجربة السياحية المصممة بعناية. المغرب، بهذا الزخم، يتجه ليصبح أحد أبرز الوجهات الآسيوية الواعدة في شمال إفريقيا، ويؤسس لنموذج سياحي جديد أكثر تنوعا واندماجا في السوق العالمية.