احتقان ومعارك يومية تشهدها مستشفيات طنجة، بين جيوش ممن خانتهم صحتهم والتحقوا رفقة أهاليهم طلبا للاستشفاء والعلاج، وطواقم طبية وتمريضية غير قادرة على تقديم الخدمات المطلوبة، بسبب إكراهات تتلخص في النقص الحاد في الموارد البشرية والتجهيزات الطبية والأدوية الاستعجالية…
الاحتجاجات والملاسنات أضحت أمرا معتادا بجل مستشفيات المدينة، خاصة بالمركز الاستشفائي محمد الخامس، الذي يعتبر ثاني أكبر مؤسسة صحية عمومية بالمدينة والجهة، بعد المستشفى الجامعي محمد السادس، الذي دشنه رسميا جلالة الملك في أبريل من السنة الجارية، إذ لا يمكن أن يمر أسبوع أو أقل دون أن تنشب اصطدامات ومعارك بين المرضى ومرافقيهم من جهة، والأطر الطبية والإدارية العاملة بهذه المؤسسة من جهة أخرى، تنتهي أغلبها بمراكز الشرطة وردهات المحاكم.
فالداخل إلى هذا المركز لا بد أن تثير انتباهه طوابير من المرضى ومرافقيهم، الذين يظلون لساعات طويلة ينتظرون دورهم، من أجل العلاج أو الاستشارة، لاسيما بجناح المستعجلات وقسم الولادة، هذا الأخير الذي يمثل كابوسا بالنسبة للنساء الحوامل، اللواتي يتعرضن للابتزاز والتعنيف النفسي والجسدي، دون أي تدخل لمدير المستشفى، الذي يتقمص دور المتفرج ويكتفي بمتابعة الوضع من داخل مكتبه عبر كاميرات المراقبة.
وما يزيد من معاناة المرضى وعائلاتهم، الذين ينتمي أغلبهم إلى الطبقة المستضعفة، التي تلجأ إلى مستشفيات القطاع العام أملا في تلقي العلاج بأقل تكلفة ممكنة، الفساد الذي تظهر تجلياته في تلقي أطر طبية للرشوة مقابل إجراء عمليات جراحية لمرضى على حساب آخرين، ما أثبتته شهادات العديد من المواطنين ضحايا هذا العمل المشين، الذي صار وصمة عار على جبين عدد من الأطباء الذين يستخدمون الطب من أجل جمع المال، بعيدا عن قدسية القيم الطبية وأخلاقيات المهنة.
وذكر أحد المرضى ممن التقتهم “الصباح” داخل المستشفى ذاته، أنه تعذر عليه تحديد موعد قريب مع طبيب اختصاصي في أمراض العظام، من أجل إجراء عملية جراحية على رجله، إلا أنه تمكن من ذلك حين لجأ لعنصر من عناصر الأمن الخاص، الذي تكفل بكل الإجراءات، بما فيها الكشوفات الطبية والصور والتحاليل المطلوبة، مقابل مبلغ مالي يدفع مسبقا.
وقال المصدر “إياك أن تطالب بالعلاج دون أن يكون لك وسيط يسهل عليك المأمورية ويفتح لك العلاقة مع الطبيب الذي تحتاجه، وتكون من الأوائل الذين يكشف عليهم ويسهل عليك إجراء باقي الفحوصات والتحليلات التي تكلف بالخارج المال الوفير”.
مواطن آخر اشتكى من صعوبة الولوج للعلاج بالمستشفى المذكور نتيجة الأعطاب المستمرة لأجهزة الفحص بالأشعة، خاصة جهاز “السكانير”، الذي يتوقف عن العمل في أوقات متقاربة ويظل معطلا لعدة أسابيع وشهور، ما يؤدي إلى الاعتقاد بأن الأمر متعمد ويتم بتنسيق بين الإدارة والمصحات الخاصة، التي تستفيد من هذه الأعطاب، علما أن معظم هذه الأجهزة والمعدات الطبية تتوفر على عقود للصيانة والإصلاح.
وكان عدد من المواطنين، نظموا في مناسبات عديدة وقفات احتجاجية للمطالبة بتحسين الخدمات ووضع حد للتدهور القائم بهذا المركز الاستشفائي، وركزوا على استشراء ظاهرة الفساد الإداري والمالي، وطالبوا بمحاسبة المسؤولين عن كل الاختلالات التي يكون المواطن ضحيتها، محملين المسؤولية إلى مدير المستشفى، بسبب عدم قدرته على حل الإشكاليات الطارئة وغضه الطرف عن كل ما يجري داخل المستشفى.
يذكر، أنه تم أخيرا، إنهاء مهام مقتصد مستشفى محمد الخامس بطنجة، على خلفية الاشتباه في تورطه في اختلالات تكتسي طابعا جرميا، تتعلق بتبديد أموال عمومية والتلاعب في الصفقات وإبرامها في ظروف مشبوهة، إلى حين أن تبت غرفة الجنايات الابتدائية المكلفة بجرائم الأموال بالرباط، في التهم المنسوبة إليه، وهي تهم منصوص عليها وعلى عقوبتها بالفصلين 241 و242 من القانون الجنائي، وتصل عقوبتهما إلى 20 سنة سجنا نافذا.