كانت مؤشرات الغضبة الملكية على بعض المسؤولين في الدار البيضاء واضحة، عندما جاءت الجرافات ليلة 23 يناير الماضي لهدم مبنى مكون من عدة طوابق تابع لشركة “السي جي إي” في المدينة القديمة على الميناء الأطلسي بالبيضاء، وتوقيف أشغال بعض مشاريع المارينا. كما اتضحت معالم الغضبة الملكية بعد الاجتماع الذي عقده محمد حصاد وزير الداخلية الأسبوع الماضي مع والي المدينة وعدد من المسؤولين عن مشاريع المارينا، ونقل إليهم حصاد خيبة أمل محمد السادس من مشاريع التهيئة الحضرية التي تجري في محيط المدينة القديمة دون احترام الإرث التاريخي والمعماري لهذه المدينة.
ونقل حصاد للمسؤولين فشل المشاريع التنموية التي يجري إنجازها في المارينا دون إدماج المدينة القديمة ومواقعها التاريخية ضمن التصور العام للمشاريع المحدثة. حيث تعيش هذه المواقع حالة من التهميش والإهمال، وهي مهددة بالزوال بسبب انهيار بعض المنازل بالقرب من المواقع الأثرية المهمة. والتصور الملكي في هذا الصدد هو أن تكون المدينة القديمة جزء لا يتجزأ من مشاريع التهيئة الحضرية للمارينا، لكن المشروع انحرف عن مقاصده، حيث اتضح أن موقع الصقالة التاريخي مهد المقاومة البيضاوية، تعرض للطمس بسبب زحف المشاريع الإسمنتية المجاورة، رغم المبالغ الضخمة التي خصصت لإعادة تأهيل المدينة القديمة وربطها بمحيطها الايكلوجي دون مسخ لهويتها وتراثها الضارب في التاريخ. وتماشيا مع الثقافة المعمارية المغربية الأصيلة التي تم الحفاظ عليها في عدة مشاريع ضخمة مثل مشروع تهيئة ضفتي أبي رقرق، أو مشروع مارينا طنجة وغيرها. حيث سجلت منذ انطلاق مشاريع مارينا الدار البيضاء عدة مشاريع عمرانية خالفت التصميم المعماري والجمالي، وتحولت إلى بنايات إسمنتية بلا روح، مما لا يتماشى مع الإرادة الملكية. ومن المتوقع أن تتوقف جل المشاريع التي هي في طور الإنجاز بمارينا البيضاء ومشروع “وصال” وإعادة بلورة تصور عمراني جديد مراعاة للتوجيهات الملكية في هذا الصدد… وما هدم بناية “السي جي إي” إلا شجرة تغطي غابة من المخالفات العمرانية والانجازات الفاشلة التي سيعاد فيها النظر، حسب تأكيدات مصادر مقربة من الملف.