مصطفى الرميد*
من حقنا- نحن المغاربة- ونحن نعيش في عالم قلق ومضطرب، أن ننوه بمثانة مؤسسات بلادنا، واستقرار أحوالنا، والرشد في منهجية مقاربة مشاكلنا.
والدلائل على ذلك كثيرة، لعل أهمها، هو الطريقة التي عولج بها الى حد الآن، موضوع تعديل مدونة الأسرة، خاصة اعتماد القاعدة الذهبية التي تقول: ( لا أحل حراما، ولا أحرم حلالا)، وهي القاعدة التي أكد عليها جلالة الملك مرارا وتكرارا، وجعلها لازمة من اللوازم الثابتة في خطبه المتعلقة بالموضوع.
وهكذا، وبعد أن بلورت اللجنة التي أناط بها جلالته مهمة إعداد التعديلات المطلوبة، أمر بإحالة المقترحات على الرأي الشرعي للمجلس العلمي الأعلى، الذي قرر ما قرر ،على سبيل الاجتهاذ، مما يمكن للمرء أن يتفق معه فيه أو يختلف، ولا ضير في ذلك، ولكن الكلمة الاخيرة هي للمؤسسات، وفي هذا السياق لا كلمة تعلو في القضايا الشرعية على كلمة المجلس المذكور، وهذا هو منطوق الدستور الذي لامحيد عنه.
غير أن هذا لا يمنع من إثارة الانتباه الى ما ينبغي، ومايجب، باعتبار أن المملكة قامت بانجاز إحصاء عام للسكان والسكنى هذه السنة ، سنة:(2024).
وكان حريا التمعن الجيد في معطيات هذا الاحصاء، خاصة وأن من مقاصده: (تكوين قاعدة للمعاينة لإنجاز البحوث لدى الأسر).
وأن مما يثير الخوف والقلق، المعطيات الإحصائية التي تفيد مايلي:
أولا، تواصل انخفاض معدل الخصوبة الكلي، حيث ان المتوسط الوطني كان سنة 2004في حدود2،5%، واذا به ينخفض سنة 2014الى نسبة 2،2 %، لينخفض مرة اخرى سنة 2024الى نسبة1،97%. وهو انخفاض ينذر باوخم العواقب على المستقبل الدمغرافي للبلاد ان استمر في هذا المنحنى الصعب.
ثانيا، ان هذا الانخفاض الحاد للخصوبة كان من تجلياته المباشرة انخفاض مستوى حجم الاسر، فبدل عدد: 5،3 فرد في كل اسرة سنة 2004، اذا بنا ننزلق الى 4،6 سنة 2014، ثم الى3،9 فرد سنة 2024.
ثالثا، أن هذه المعطيات أدت الى تباطؤ النمو السكاني، حيث كان هذا النمو بنسبة 1،38%ما بين سنتي 1994 إلى 2004،
وبنسبة 1،25 % بين سنتي 2004 و 2014، ليصل الى مستوى 0،85% مابين سنتي 2014و 2024.
إن هذه المعطيات الدمغرافية الصاعقة ، يبدو وكأنها لاتعني أي شيء، بدليل عدم فتح نقاشات عمومية واسعة حولها، وعدم قيام الفاعلين المعنيين بتقديم اجابات بشانها.
وللأسف، تاتي هذه المقترحات التعديلية لمدونة الأسرة ، وكان هذه الإحصائيات عادية ، ولا تعني الأسرة من قريب أو بعيد.
لذلك ،فان المؤكد أن مستقبل بلادنا مهدد ديموغرافيا، وعلينا أن نتساءل عن الأسباب والعلل، ونقارب كافة الاصلاحات الاسرية على ضوء هذه الارقام المنذرة.
وعلى هذا الاساس، فانه إذا كانت هذه المقترحات ستسهم في الحد من الانحدار الديمغرافي فمرحى وألف مرحى، اما إذا كانت ستكرس مزيدا من الانحدار والتراجع السكاني، فانه ليس من الحكمة اعتمادها.
لذلك أدعو الى التأني الضروري في البلورة النهائية للتعديلات ، واعتبار موضوع الاشكالية الديمغرافية أم المشاكل التي ينبغي التصدي لها بكافة الحلول الممكنة، ومنها الحلول التشريعية التي تهم الأسرة، دونما أي اعتبار جزئي كيفما كان نوعه واهميته، اذا كان في النهاية سيؤدي الى ضياع الاعتبارات الكلية.
ان مما يثير الانتباه ايضا ان مدونة الأحوال الشخصية لسنة 1957 كانت تنص في اصلها على تعريف الزواج بانه ، (ميثاق ترابط وتماسك … الى ان تقول؛ غايته العفاف وتكثير سواد الامة، )هكذا كان وعي الرواد الاوائل باهمية العامل الدمغرافي، وعلاقته بالاسرة، غير أن مدونة الأسرة لسنة 2004، استغنت على هذه المعطيات في تعريف الزواج، وبعد عشرين سنة يبدو واضحا انه من الملاءم ان نراجع حاساباتتا، وان نفكر عميقا، وبعيدا،في مستقبل المغرب، مغرب الاجيال القادمة التي لربما قد تضيع في اهم مقوماتها، بسبب حساباتنا الصغيرة، وقصور نظرنا، وكما قيل ، فان السياسي يفكر في الانتخابات القادمة ، اما رجل الدولة فيفكر في الاجيال القادمة. فلنكن جميعا، نساء ورجال دولة، ولنفكر للاجيال القادمة، والله الموفق.
*قيادي سابق في العدالة والتنمية ووزير دولة سابق في العدل والحربات
التعليقات على الرميد يعارض تعديلات مدونة الأسرة: “إذا كانت ستكرس مزيدا من الانحدار والتراجع السكاني فإنه ليس من الحكمة اعتمادها” مغلقة