تضاربت الأرقام حول الأعداد التي شاركت في المسيرة العمالية التي نظمتها أربع مركزيات نقابية، بين مؤكد نجاح المسيرة في استقطاب أكثر من 40 ألف مشارك، وبين مرجح أن أعداد المشاركين لم يتجاوزوا 6 آلاف؛ وهو طرح تؤيده الأوساط المساندة للحكومة.
وحتى وإن خرج المحتجون من أجل أهداف مختلفة، وبمطالب متنوعة، توزعت بين الاحتجاج على غلاء الأسعار، وضعف القدرة الشرائية، إلا أن ملفا واحدا كان الحاضر الأكبر، وهو ملف إصلاح التقاعد، الذي ظلت عبارة “إصلاحه الحتمي” تتردد على ألسنة وزراء بنكيران، دون أن تجد لها طريقا للتنزيل إلى حدود الساعة، ولم يبق من عمر الحكومة إلا أشهر معدودة.
ويرى بعض المراقبين أن “ضعف” عدد المشاركين في المسيرة العمالية سيزيد من قوة الحكومة وإصرارها على إصلاح صناديق التقاعد، غير عابئة بمطالب النقابات؛ بينما يرى البعض الآخر أن المسيرة كانت وبغض النظر عن عدد المشاركين فيها “إنذارا للحكومة”؛ لأن “السياق المحلي والإقليمي لا يسمح بأي معركة بين النقابات والحكومة”.
ويرى عبد الحكيم قرمان، خبير التواصل السياسي، أن “المخرج الحقيقي للعلاقة الحالية بين الحكومة والنقابات هو الرجوع إلى منطق الحوار والتوافق، خصوصا عندما يتعلق الأمر بقضايا مهمة، مثل إصلاح التقاعد”، مواصلا بأن “لجوء النقابات إلى المسيرات الوطنية، وتلويحها بإضراب عام، دليل على أن الأمور ليست بخير، خصوصا على المستوى الاجتماعي”.
ورغم تأكيد قرمان أن الاحتجاج السلمي والإضراب حقان دستوريان، إلا أنه نبه “إلى ضرورة الأخذ بالحسبان الوضع الوطني والدولي”، ذلك أن “السياق العالمي تغلب عليه الهواجس الأمنية ومحاربة الإرهاب؛ وبالتالي فالأجدر بالنقابات والحكومة التعقل والحفاظ على السلم الاجتماعي، عبر الجلوس إلى طاولة الحوار”.
وقلل قرمان من تأثير أعداد المشاركين في المسيرة العمالية على مسار إصلاح صناديق التقاعد؛ “لأنه في نهاية المطاف الواجب على الحكومة والنقابات هو التوافق والحوار للوصول إلى حلول وسط، فمنطق شد الحبل لن يفيد أي طرف”، معتبرا أن “تلويح النقابات بالإضراب العام في السياق الحالي يدخل في إطار التدافع العادي بين النقابات والحكومة، من أجل الحفاظ على موازين القوى، أما الواقع فيقول إن الجلوس إلى طاولة الحوار أمر لا محيد عنه”.
واستبعد أستاذ العلوم السياسية أن تنتهج الحكومة سياسة شد الحبل مع النقابات، قائلا: “ونحن على بعد سنة انتخابية حاسمة، لا يمكن تصور أن تقدم الحكومة على إجراء يؤدي إلى احتقان انتخابي، كما أنه يصعب على النقابات أن تهدد السلم الاجتماعي في سنة انتخابية”.
بدوره يرى الشرقي خاطري أن المسيرة النقابية ليوم الأحد كانت “إنذارية”، حتى وإن كان عدد المشاركين فيها أقل من المتوقع، مفسرا الأمر بالسياق الوطني الموسوم بالعديد من الاحتجاجات على غلاء الأسعار، والتي بلغت أوجها في مدينة طنجة، مضيفا: “لهذا فإن الحكومة تعلم أن الوضع الاجتماعي لا يحتاج أزمة جديدة، وأن عليها الدخول في حوار مع النقابات”.
وربط الشرقي الخاطري بين قدرة النقابات على الاستمرار والتوحد على مستوى المطالب وبين قدرتها على إجبار الحكومة على الاستماع لاقتراحاتها ومطالبها، مشيرا إلى انخراط جماعة العدل والإحسان في المسيرة يعتبر مؤشرا على تحول جذري؛ “لأن نقابة الجماعة لديها القدرة على التعبئة؛ علما أن النقابة لم تعبئ لمسيرة يوم الأحد، وإنما كان حضورها محدودا”.
وبلغة جازمة، تحدث الخاطري عن أنه “لو ظهر للحكومة أن إصلاح التقاعد ستكون له تبعات على انتخابات 2016، فالأكيد أنها لن تقدم على أي خطوة في هذا الاتجاه، إلى حين مرور الانتخابات”، متوقعا أن تدعو الحكومة عما قريب النقابات إلى الحوار.