دهب
مطعم نرجس
Morocco travel
المركز الدولي للأشعة بطنجة

“مجموعة الخير”.. شبكة نصب عابرة للحدود نهبت مبالغ مالية تقدر بـ 7 ملايير سنتيم


الثراء والكسب السريع، هي أمور جبلت عليها النفس البشرية عامة، ويسعى إلى تحقيقها كل من الفقراء والأغنياء على حد سواء، إلا أن هناك من يعمل ويجتهد لتحقيق أحلامه وإثبات جدارته، في حين هناك من يركض للوصول إلى الثروة بأي وسيلة كانت، مشروعة أم غير مشروعة، وهي الطريقة التي لجأت إليها نشيطات بمدينة طنجة، اللواتي أطلقن مشروعا وهميا للتسويق الشبكي، وتمكن من سرقة أموال آلاف الضحايا عبر وعود زائفة وفرص استثمارية وهمية.

قديما قالوا “الطماع  يقضي عليه الكذاب”، مثال ينطبق تماما على أشخاص أعماهم الطمع وانخرطوا في مشروع وهمي للتسويق الشبكي الهرمي، الذي أطلقته بطنجة نشيطات تحت يافطة “مجموعة الخير”، وتمكن، في وقت وجيز، من نسج أكبر شبكة ممكنة من المنخرطين من داخل الوطن وخارجه، أغلبهم من النساء، اللواتي ساهمن بمبالغ مالية متفاوتة طمعا في تحقيق فوائد وأرباح بنسب مضاعفة، إلا أن أحلامهن الوردية تحولت فجأة إلى كابوس، بعدما اكتشفن أنهن تعرضن لعملية نصب واحتيال محكمة.

“مجموعة الخير”.. مشروع بمبدأ “رابح ـ رابح”

تأسست “مجموعة الخير”، منذ أزيد من سنتين بمدينة طنجة، وتتكون من رئيسة ومديرة وعضوات نشيطات (أدمينات)، واستطاعت، بفضل دهاء القائمات على تسييرها، أن تجذب آلاف المواطنين من مدن مغربية مختلفة، على رأسها طنجة وتطوان والعرائش والقصر الكبير، وكذا مئات من مغاربة العالم المقيمين في أوروبا وأمريكا وكندا… الذين خدعوا في البداية بأرباح سريعة ومغرية، ورفعوا من مساهماتهم المالية سعيا وراء مزيد من الأرباح.

في البداية، حقق المشروع نجاحا باهرا وارتفاعا لافتا في عدد المساهمين وصل إلى أرقام قياسية تعد بالآلاف، بعد تسويقه عبر منصات التواصل الاجتماعي، خاصة التطبيق المجاني “الواتساب”، حيث تمكن المشروع من إغراء الضحايا بعوائد وأرباح غير واقعية وصلت إلى أكثر من 300% في غضون فترة قصيرة لا تتعدى ثلاثة أشهر، ما شجع عددا كبيرا من “الطماعين” على تقديم مساهمات مالية أكبر وصلت، عند بعض المساهمين، إلى 10 ملايين درهم.

ومع مرور الوقت، بدأ عدد المستثمرين الجدد يتقلص نتيجة تزايد الشكوك حول مصداقية المجموعة، خاصة بعدما بدأت تتماطل في تسديد مستحقات المستثمرين القدامى، التي كانت تصرف من أموال الضحايا الجدد بدلا من تحقيق أرباح حقيقية عبر استثمارات واضحة أو نشاط تجاري مربح، فاضطرت الرئيسة ومساعديها إلى إقفال هواتفهن والتوقف عن الاتصال بالمستثمرين، ليكتشف الجميع بأنهم وقعوا في شباك عصابة متخصصة في النصب والاحتيال، وبدأوا في البحث عن وسيلة لاسترجاع ما فقدوه من أموال ومدخرات ساهموا بها على أمل تحسين أوضاعهم الاجتماعية والمالية.

خلاف بين عضوتين يفجر القضية

تفجرت هذه القضية، التي تعتبر من أبرز عمليات الاحتيال المالي في المغرب، جراء نشوب شجار داخل إحدى الفضاءات التجارية الكبرى بطنجة، بين مديرة المجموعة وإحدى العضوات النشيطات، تدخلت إثره فرقة أمنية لفظ النزاع، إلا أنها ارتأت اقتياد السيدتين إلى مقر الشرطة للتحقيق معهما حول موضوع النزاع، بعد أن تبين لها أن القضية تخفي وراءها أسرار خطيرة.

وبناء على البحث الذي أجرته عناصر الشرطة القضائية مع الموقوفتين، تبين أن النزاع نشب بينهما بسبب رفض المديرة إعادة مبلغ مالي ساهمت بها العضوة في المجموعة، وأن العملية لا تختلف عن غيرها من حوادث النصب والاحتيال التي استهدفت عددا من المواطنين في السنوات الماضية، ليتم إحالتهما على وكيل الملك لدى ابتدائية المدينة، الذي أمر بوضعهما تحت تدابير الحبس الاحتياطي بالسجن المحلي في انتظار عرضهما على قاضي التحقيق بالمحكمة ذاتها للبحث معهما تفصيليا في التهم المنسوبة إليهما، وإحالتهما على الغرفة التلبسية الابتدائية لمحاكمتهما طبقا للقانون.

مباشرة بعد شيوع خبر اعتقال مديرة المجموعة، تجمهر عشرات من الضحايا، أغلبهم من النساء، أمام مدخل ولاية الأمن بالمدينة، للمطالبة بإيقاف رئيسة المجموعة وكل المشتبه في تورطهم في هذه القضية، واسترجاع الأموال التي سلبت منهم عن طريق النصب والاحتيال، لتتخذ القضية أبعادا جديدة، عندما بدأت تتقاطر على المصالح الأمنية مئات الشكايات، وصلت، الأسبوع الأخير، إلى حوالي 700 شكاية، تقدم بها ضحايا ينتمون لمستويات ﺍﻗﺘﺼﺎﺩﻴﺔ واجتماعية مختلفة، بالإضافة إلى ضحايا من خارج المغرب، خاصة من إسبانيا وبلجيكا وهولندا.

إيقاف رئيسة المجموعة

بناء على تعليمات النيابة العامة، فتحت المصالح الأمنية بعاصمة البوغاز بحثا قضائيا حول ظروف وملابسات القضية، وأوقفت عدد من المشتبه فيهم، كانت آخرهم رئيسة المجموعة، المعروفة باسم “يسرى”، واعتقلت، الأحد الماضي، بمحطة القطار فائق السرعة “البراق”، حين كانت تتأهب للسفر إلى وجه غير معلومة، ليصل عدد الموقوفين إلى 19 شخصا، (14 امرأة و5 رجال) من ضمنهم شقيق الرئيسة، الذي يعتبر أحد شركائها الرئيسيين، في حين لازالت مجموعة من “الأدمينات” الكبيرات في حالة فرار من العدالة، وصدرت في حقهن مذكرات بحث وطنية ودولية، إذ يتواصل البحث عنهن في إطار الجهودات التي تبذلها المصالح الأمنية بخصوص هذا الملف الشائك.

وبحسب مصدر قضائي موثوق، فإن الموقوفين الـ 19، تمت إحالتهم جميعا، على أنظار وكيل الملك لدى ابتدائية طنجة، الذي قرر متابعة شخص واحد في حالة سراح، وإيداع الباقي (18 متهما) السجن المحلي بالمدينة، وأمر بالاحتفاظ بهم رهن الاعتقال الاحتياطي في انتظار أن يجري معهم قاضي التحقيق بالمحكمة ذاتها بحثا تفصيليا حول تهم تتعلق بـ “النصب والاحتيال والاستيلاء على مال الغير باستعمال وسائل احتيالية”، مبرزا (المصدر)، أن التحقيق في هذه القضية صعب ومعقد جدا، لأن “مجموع الخير” تتكون من أزيد من 1500 “أدمين” يديرون مجموعات على التطبيق المجاني “الواتساب”، تضم كل مجموعة حوالي 500 شخص، ما يمثل تحديا كبيرا لفرق البحث والسلطات القضائية.

وأوضح المصدر، الذي فضل عدم الكشف عن هويته، أن هذه الشبكة، تمكنت من جمع مبلغ ضخم يفوق 7 ملايير سنتيم، وكانت تستهدف عند بدايتها، النساء الفقيرات والعاملات في قطاع النظافة والنسيج وغيرها من المهن الحرة، إلا أن الأبحاث والشكايات المقدمة كشفت عن تناقضات مثيرة تتجلى في مطالبة عاملات بسيطات باسترجاع مستحقات تتراوح بين 50 مليون سنتيم و100 مليون سنتيم، ما يؤكد أن هؤلاء المشتكيات كن واجهات لأشخاص معروفين بالمدينة، أو لأقاربهم متواجدين خارج المغرب، الذين ساهموا في مشروع استثماري ذي طابع عرفي، من دون أي عقد رسمي أو وثيقة تثبت مشروعيته.

تدعيات القضية.. انتحارات وحالات طلاق متعددة

بعد افتضاح أمرها، تحولت “مجموعة الخير”، التي كانت تبدو في ظاهرها مشروعا للتسويق الشبكي، إلى كابوس دمر حياة مئات العائلات بعدد من المدن المغربية، التي أفلست بعدما وضعت كل أموالها ومدخراتها في هذا المشروع المشبوه، بالإضافة إلى حالات من التفكك الأسري والطلاق بسبب دخول نساء لهذا المغامرة خفية عن أزواجهن، ناهيك عن المشاكل العائلية والخلافات التي نشبت بين عدد من الموظفين وزملاء في العمل.

إلى جانب الخسائر المادية الفادحة، التي أدت إلى خراب البيوت وتوقيف عدد من المشاريع، سجلت مدينة طنجة حالة انتحار مروعة راح ضحيتها عضوة في المجموعة برتبة “أدمينة”، التي أقدمت على وضع حد لحياتها بشرب مادة كيميائية سائلة “الماء القاطع”، بعدما وجدت نفسها تحت ضغوط شديدة مورست عليها من قبل زوجها وضحايا يطالبونها بإعادة الأموال التي تسلمتها منهم بطريقة مباشرة.

وبحسب المعطيات، فإن الهالكة، وهي أم لطفلين تبلغ من العمر 38 سنة، كانت قيد حياتها تشرف على صفحة “مجموعة الخير”، وتقوم بدور الوساطة وجمع الأموال من المانحين، ولجأت إلى وضع نهاية لحياتها بعدما تفجرت القضية وحملها المساهمون مسؤولية ضياع أموالهم، وأخذوا يهددونها بالمتابعة أمام القضاء، لتنهار أمام الضغوطات وقامت بشرب مادة سامة أهلكت جهازها الهضمي، إذ رغم نقلها إلى قسم المستعجلات بالمستشفى الجامعي محمد السادس بالمدينة، وتقديم كل الإسعافات اللازمة لها، فارقت الحياة متأثرة من المفعول الشديد للمواد الكيميائية  التي تناولتها، ليتم نقل جثمانها إلى مستودع الأموات الجماعي في انتظار تعليمات النيابة العامة.

 المتابعة تتأرجح بين الجنحة والجناية

أكد عدد من المحامين بطنجة، الذين يترافعون في ملف “مجموعة الخير”، بأن القضية سيتم البث فيها وفقا للقانون رقم 08/31، المنظم لتدابير حماية المستهلك، الذي يمنع في المادة 58 منه، البيع والتسوق بالشكل الهرمي أو بأية طريقة أخرى مماثلة، إلا في حالة الحكم بعدم الاختصاص وإحالة القضية على محكمة الاستئناف باعتبارها جناية، وتدخل في إطار تكوين عصابة إجرامية، التي تصل عقوبتها إلى 10 سنوات سجنا نافذا.

أما المادة 58 من القانون المشار إليه أعلاه، فهي تمنع القيام بجمع الاشتراكات أو تقييد المستهلك نفسه في قائمة مع المشتركين وإغرائهم بالحصول على مكاسب مالية ناتجة عن تزايد هندسي لعدد الأشخاص المقيدين، ويعاقب المبادرين لهذا النوع من الاحتيال بالحبس من شهر إلى سنة وبغرامة من 20 إلى 40 ألف درهم، مع الحكم على مرتكب المخالفة بإرجاع المبالغ التي تم تسلمها من قبل الزبناء غير الراضين.

 ويعتبر “التسويق الهرمي” عملية احتيال هدفها جمع المال من أكبر عدد من المشتركين، وتبدأ بشخص في أعلى الهرم يتلخص عمله في إقناع أشخاص آخرين بالاشتراك أو المساهمة بمبلغ مالي، مع الوعد بإعطائه ربحا ماديا إن استطاع إقناع آخرين بالاشتراك بعده.

 كيف تفاعل الرأي العام مع القضية؟

أثارت قضية “مجموعة الخير” ردود فعل قوية لدى الرأي العام المغربي بصفة عامة، وشهدت حضورا لافتا وتفاعلا كبيرا بمختلف مواقع التواصل الاجتماعي، إذ اعتبر أغلب النشطاء أن هذه القضية، التي يتجاوز عدد ضحاياها المفترضين مليون شخص، تتطلب اتخاذ إجراءات قانونية أكثر صرامة لحماية المستثمرين الصغار من عمليات النصب والاحتيال، لاسيما أن هناك عدة عمليات مشابهة شهدتها، أخيرا، عاصمة البوغاز، من بينها “هبة الإرث” و”أجي نتعاونو”، اللتان أوقعتا مئات الضحايا بمدن طنجة وتطوان والمضيق والفنيدق، وانتهت الأخيرة “أجي نعاونو” بالحكم على زعيمتها، وهي صاحبة حضانة بطنجة، بـ 3 سنوات حبسا نافذا وغرامة قدرها 5  آلاف درهم، لتورطها في عملية نصب محكمة تمكنت من خلالها جمع مبلغ مالي هام قدر بـ 400 مليون سنتيم.

وكتب الناشط الحقوقي، الكلافي أنوار، أن ظاهرة النصب بالتسويق الهرمي تتزايد يوما عن يوم رغم تسليط الإعلام الضوء عليها في أكثر من مناسبة، لأن السبب الرئيسي في وقوع الأشخاص في فخ النصابين تقتصر في “الحلم بالثراء السريع” لدى عدد من الضحايا، الذين يقعون في شباك محتالين يقدمون لهم وعود زائفة ومغرية، ويجعلونهم يتخذون قرارات عاجلة دون تفكير مستقل أو استشارة الآخرين.

وحذر الكلافي، وهو محام بهيأة طنجة، الناس بعد اتخاذ القرارات المتسرعة، والتأكد من صحة الفرص التي تعرض عليهم، وأن يقوموا بالتحقق والبحث قبل اتخاذ مثل هذه القرارات المصيرية، وعدم الانجرار وراء الوعود المغرية دون دراسة جدية.

من جانبه، اعتبر المحلل الاقتصادي جعفر بوريس، أن المشكل يكمن بالأساس في الطموح الزائد لبعض الناس، الذين يبحثون عن أي فرصة لتحقيق مدخول ربحي بأي طريقة كانت، وبالتالي يسقطون ضحية أشخاص يبيعون لهم الوهم عن طريق استثمارات لا توجد على أرض الواقع، ويعدونهم بأرباح طائلة تمكنهم من امتلاك سيارات وشراء العقارات وغيرها… متناسين بأنه لا يوجد استثمار يمكن صاحبه من عوائد تصل 20 ألف درهم مقابل مساهمته بـ 5 آلاف درهم فقط.

المختار الرمشي (الصباح)



Source link

أضف تعليق